شهدت مصر فى يومى الرابع عشر و الخامس عشر من
شهر يناير لعام 2014 ملحمه وطنيه و موقعه حاسمه فى معركة الوطن ضد الارهاب و
الخيانه و هى موقعة الاستفتاء على الدستور , هذا الحدث الذى اعتبره الكثيرون حال
نجاحه هو البدايه الحقيقيه لعهد مصرى جديد يسطر فيه الشرفاء من بنات و ابناء هذا
الوطن تاريخا مشرقا و خطوه هامه تتبعها خطوات لا تقل اهميه و لكن دائما ما تكون
البدايه صعبه و بها يتحدد شكل المرحله القادمه بكل ما تتضمنه من استحقاقات و
مسئوليات
و هذه الخطوه المفصليه التاريخيه لا يجب ان
تمر مرور الكرام دون ان نستخلص منها معانى و اعتبارات و مواعظ تظل موضع فخر و
اعزاز و تروى لكل جيل كنموذجا مشرفا يحتذى به و يعرف به الطريق نحو وطن أمن و
مستقر
قرر المصريون و بأجماع شعبى غير مسبوق ان
يقولوا نعم لدستورهم الذى وضع فى ظروف توصف بأنها الاصعب خلال العقود الثلاث
الاخيره من تاريخ مصر , و مع ذلك و امام اصرار الشعب و وحدته , ذهبوا و قالوا نعم
و كانت هذه الكلمه رغم بساطتها الا انها حملت فوائد حاولت ان الخصها فى عشر نقاط :
اولا : من الناحيه العدديه , فقد كانت كلمة
المصريين "نعم" و التى تعنى الموافقه على الدستور هى اكثر من ضعف اعداد
من وافقوا على دستور 2012 , ففى الوقت الذى بلغ الموافقون على دستور 2012 قرابة
العشرة مليون صوت , وافق على دستور 2014 ما يزيد عن 20 مليون مصرى , ولا اتحدث هنا
عن نسبة المشاركه الكليه و التى ايضا تفوقت تفوقا كبيرا فى 2014 , و لكن نتحدث عن
نسبة ال "نعم".
ثانيا : كشفت موقعة الاستفتاء عن حقيقه هامه
, و هى ان الخونه و الارهابيين و ادعياء الوطنيه و الدين و المتاجرون بألام
المصريين و دمائهم , هم فى حقيقة الامر اقليه , لا يشكلون و لو حتى جزءا من قوام
الجسد المصرى , و عندما قرروا و اعلنوا انهم مقاطعون للتصويت , تضاعفت نسبة التصويت
و المشاركه و زاد التوافق و الاجماع الشعبى و هو ما يعنى انهم لا تأثير لهم نهائيا
, بل ان غيابهم كان باعثا ايجابيا على اظهار حقيقة اعدادهم الزائفه , و انهم اقليه
لا تذكر.
ثالثا : وراء كل عظيم , امرأه مصريه , كنا
بالميدان خلال ثورة 30 يونيو نهتف " قالوا صوت المرأه عورة , صوت المرأه يصنع
ثورة " , اثبتت المرأه المصريه انها قادره على صنع المعجزات , و هو ليس جديدا
او مستغربا على المرأه المصريه الاصيله , لكن الجديد هو هذا العدد و الحماس و
الوعى و الجديه و الاصرار الذى اظهرته المرأه المصريه خلال الاستفتاء , و ليس
الفائده الوحيده هو ارتفاع مؤشرات المشاركه فقط , الامر الاهم , هو انها الأم ,
المربيه للأجيال القادمه , و هو ما يبعث رسالة طمأنه ان الاجيال القادمه و التى
سوف تتربى فى مدرسة هذه الام المصريه العظيمه سيكونون على نفس القدر من الوطنيه و
الشرف و الوعى و تحمل المسئوليه , و لعل الفريق السيسى كان مقدرا و فاطنا لدور
المرأه المصريه الحقيقى فى المجتمع و توجه لها بكلمة خاصه فى دعوته للمصريين
للنزول للأستفتاء , فالمرأه المصريه العظيمه لا تتوقف عن ابهار العالم بقوتها و لا
ترضى ان يكتب تاريخ مصر دون ان تكون بصمتها فيه هى الاهم و الاكبر تأثيرا .
رابعا : يفاجئك المغيبون و الجهله و الجاحدون
كل يوم بالجديد , فكان اخر ما خرجوا به علينا هو اتهامهم لكبار السن انهم هم
الكتله الاكبر التى شاركت فى الاستفتاء , و كأنه عيب , لقد عانت مصر من الطيش و
التهور و الفوضى التى احدثها الشباب و المراهقون , ليس عن قصد , و لكن لقلة الخبره
و نقص الوعى و نتيجة غضبهم المستحق من الفساد الذى عانوا منه و هم فى بداية سنين
عمرهم , مما دفعهم للانقياد وراء هتافات مرسله و افكار لا يدركون خطورتها , فكان
لابد لجيل العقلاء و الحكماء و اصحاب الخبره من الاباء و حتى الاجداد ان يتدخلوا
لينقذوا ما يمكن انقاذه , المستقبل هو لشباب هذا الوطن من الواعيين و المثقفين و
الشرفاء و لكن دون الخبره و الرؤيه الواسعه و الادراك الواعى قد يتحول مجهودهم
لبناء الوطن الى طيش و فوضى , فالكبار لا يتوقف دورهم ابدا طالما قطار العمر لا
يزال يجرى بهم , و من حقهم الدفاع عن ما اجتهدوا فيه لبناء مستقبلهم و مستقبل
ابنائهم , و كانت عودتهم للشارع مفاجئه لمن تلاعبوا بعقول الشباب و ظنوا ان لا
كبير لهم.
خامسا : انتهاء اسطورة حزب الكنبه , الذى
تحدثوا بأسمه و استهانوا به و ظنوا ان لا صوت له بل انهم بنوا كل ما كانوا يخططون
له على اساس سلبيته , و لكن تماديهم فى الغباء و الطمع و التأمر و ما احدثته
اصواتهم المتعاليه و ضجيج تفجيراتهم كان موقظا لصمت الشعب فخرج ليعلنها ان لا صوت
يعلو فوق صوت الاراده الشعبيه المصريه و لا احد يتحدث بأسم الشعب الا الذى يختاره
الشعب و يتوافق عليه , و اخرست كلمه "نعم" كل الالسنه و الاصوات الا صوت
المصريين الشرفاء.
سادسا : وجد المصريون فى موقعة الاستفتاء
فرصه ثانيه ليعبروا للجيش و الشرطه عن مدى امتننانهم و تقديرهم لما يقومون به من
تضحيات و مجهودات لاستعادة الامن و بث الشعور بالامان فى نفوس المواطنيين و
ليقولوا لهم انهم من خلفهم يساندونهم , و لم تكن معادله من طرف واحد , بل ان الجيش
و الشرطه ايضا ازداد لديهم الشعور بالمسئوليه ,و ازداد حرصهم على امن المصريين و
نشر الطمأنينه فى الشارع كى ينزل المواطنون و يعبروا عن رأيهم و يكتبون دستور
وطنهم.
سابعا : رقص المصريون فرحا , فلا فرحة تضاهى
ان يسترد المرء حقه فى التعبير عن وطنيته و ان يشعر ان صوته و نزوله يمثل فارقا فى
مسار بلاده و انه بيده يكتب خارطه طريق المستقبل , خاصة و انه حرم من هذا الحق
سنينا طويله و حتى بعدما اوهمه المستغلون كذبا ان حقه قد عاد بعد الثوره , وجد ان
القهر و التهميش يزدادون وحشيةً و ارهابا , فكان الرقص و التغنى اثناء الاستفتاء
يعكس مدى الكبت و القسوه الذى تعرض له الشعب و انه تعلم اليوم معنى السعاده
الحقيقيه التى لن يتنازل عنها مرة اخرى.
ثامنا : كان يومى 14 و 15 يناير بمثابة عملية
فرز حقيقى و تطهير , ليرى الوطن و المواطنون من هو معهم و يقف فى صفهم مدافعا و
حارسا و مساندا و من هو مدعيا و زائفاً بل و خائنا احيانا , اصابت الهيستيريا و
الجنون كل التيارات المعاديه لمصلحة مصر و حاولوا ان يقذفوا بالاتهامات و الشبهات
و لكن لم يكن لكذبهم اى صدى الا انه اظهر مدى قبح نفوسهم و انه لا مكان لهم بقطار
الوطن الذى بدأ فى التحرك و لن يوقفه شيئا بعد اليوم.
تاسعا : كان اقرار الدستور و بأجماع شعبى غير
مسبوق هو حقا شهادة وفاه للأرهاب , ليس بصوره عمليه , حتى انه من المتوقع ان
يزدادوا فى ارهابهم و جنونهم , و لكن وفاتهم مجتمعيا , فقد اصبح للمصريين شرعيه
وطنيه توافقيه جديده , هى شرعية 30 يونيو و شرعية دستور 2014 , و هى شرعية كاسحه
انتزعت الارهابيين و الخونه و المخربيين من قلب هذا الوطن و القت بهم الى مقصلة
التاريخ , و بلا رجعه.
عاشرا و اخيرا : قال المصريون بالملايين
"نعم" , نعم لدستور مصر , و عيونهم فى حقيقة الامر على ما هو ابعد من
هذه الوثيقه الوطنيه , فهم كانوا يصوتون و هم يحملون صور الفريق عبد الفتاح السيسى
, هذا الرجل الذى توفرت فيه صفة نادرا ما توجد بقائد و بهذا الاجماع , و هى ثقة
الناس به و حبهم له , فقد اصبح جليا ان الفريق السيسى يتوجه بكلمات يمس بها قلوب
المصريين و يطلب منهم شيئا بود و "عشم" , فتجد الملايين تلبى هذا النداء
احتراما و ثقة و حبا , فبعيدا عن البرامج الانتخابيه و المناظرات و اختلاف الاراء
المشروع , مجرد وجود هذه الروح بين القائد و جنوده , بين الرئيس و الشعب , كفيله
بأن تضمن النجاح و تجعل القائد و الرئيس يستميت فى تحقيق طموحات و احلام هؤلاء
الذين احبوه و وثقوا فيه و تجعل الشعب يصبر و يحتمل و يعمل كل ما فى وسعه بكل رضا
و حب لأنجاح مشروع بناء الوطن.
اصبح ترشح الفريق السيسى ضروره ملحه , فقد
ارسل له الشعب رساله واضحه , اكثر من 20 مليون نعم لك يا سيادة الفريق حبا و ثقةً.
لقد كان عبورا ثانيا و نصرا مبينا , و ينتظر
الملايين و يؤجلون فرحتهم الكامله و احتفالهم الى يوم انتهاء خارطة المستقبل ,
فمعركتهم لم و لن تنتهى الا حين تصبح مصر ... أد الدنيا.