الأربعاء، 2 أكتوبر 2013

يوليو .. ثورة شعب مصر ام شعب الأخوان "الحلقه الخامسه"

"سنقضي على الإرهاب وسنقضي على الغدر وسنقضي على هذه الوسائل البغيضة التي لا تسمح بوجود الديمقراطية وعند هذا يا إخواني سنقيم في هذا الوطن كما وعدناكم ديمقراطية حقيقية ديمقراطية سليمة أنا لا أفهم مطلقا أن تقوم في هذا الوطن ديمقراطية وفيها إرهاب وفيها تنظيمات سرية وفيها رصاص يوجه إلى المواطنين باسم الدين وباسم الإسلام باسم الخداع وباسم التضليل" خطاب جمال عبد الناصر , 29 أكتوبر 1954
ألم يان لمصر ان تستفيق من هذا الكابوس الذى جثم على صدرها و اطبق على انفاسها سنينا طويله , هذا الكابوس المخيف المسمى الأخوان , لقد كانت مصر قبل 1928 شيئا و بعد هذا التاريخ و بعد تكوين جماعة الأخوان تحول مسار مصر الى شيئ اخر , البعض يتهم القصر و الملك بالفساد و العربده و الأهمال فى شئون البلاد و العباد , محقون و مخطئون , أخرون يتهمون عبد الناصر بالديكتاتوريه و العتو و الطغيان , محقون و مخطئون , يتهمون السادات بالأنفتاح الغير محسوب و السبب فى اعادة انتاج الراديكاليه و الرجعيه الدينيه الزائفه , محقون و مخطئون , يرمون مبارك بالفساد و تردى حال الشعب بلا اى اهتمام , كل ما يقال على هؤلاء القاده و الزعماء يحمل جانب من الصحه و جوانب من التجنى الناجم عن عدم الادراك للصوره الكامله , و لكن الأهم من كل هذه الأتهامات هو ادراك حقيقة ان هناك تنظيم سفلى دموى غزا مصر منذ 1928 , من وقتها و تبدل حال مصر , مصر التى كانت مهدا لكل الحركات الدينيه و الاصلاحيه و الفكريه , مصر التى كانت تصدر الفن و الثقافه و السياسه و الرقى للعالم كله , بعد هذا الغزو الارهابى متمثلا فى جماعة الأخوان اصبحت المستورده الأولى لكل الافكار المتهالكه و الرجعيه و ارضا خصبه للتقاتل و التناحر و الدم و الغدر.
لقد احدثت حركة تنظيم الأخوان فى مصر صحوة حقا , لقد كان الشعب المصرى مغمضا لعينيه , و فاتحا قلبه و عقله لكلمات محمد عبده و عبد الله النديم , منشدا بهتافات عرابى و سعد زغلول , يدندن بأغانى ام كلثوم مستحضرا شاطئ النيل و انغام الجندول تهيم على صفحته , فكانت رصاصات الغدر و الارهاب التى اطلقتها جماعة الأخوان كفيله بأن تحدث صحوه من حلم الوطن الجميل لواقع من المؤامرات و التضليل و الخيانه.
لقد اعتمد تنظيم الأخوان منذ ان اعلن عن نفسه على ركيزتين اساسيتين و لازال , الأولى هى مجموعه من الشباب و الرجال , الناقمين و المنبوذين مجتمعيا , يبحثون عن عالم وهمى افتراضى يجعل منهم ساده و اصحاب قضيه , يجدوا ضالتهم فى من يضللوهم بعباءة الدراويش فيكفرون اهلهم و يقتلون غدرا بكل جبن و خسه اثباتا للرجوله المنتقصه و اشعارا بالجهاد الزائف , و الثانيه هى الأستقواء بأعداء الوطن من الخارج و الذىن ادركوا منذ مئات السنين موقع مصر عربيا و افريقيا و اسلاميا , فمصر هى قلب الأمه النابض و لو اردت بهم السوء فعليك بمصرهم , فكان تحالف الشيطان بين تنظيم الأخوان و الدول الكارهه لأسم مصر.
بعد نجاح حركة الضباط الاحرار فى السيطره على زمام الامور فى مصر , عينت الثورة اللواء محمد نجيب كأول رئيسا لجمهورية مصر العربيه , و كان نجيب رجلا طيب القلب و قائدا محبوبا داخل صفوف الجيش منذ ان تولى رئاسة نادى الضباط فكان يعمل على حل مشاكلهم و التقرب اليهم , و مما لا شك فيه ان نجيب كان شخصا لا مأخذ عليه , و لكن اللافت للنظر فى مذكراته التى روى فيها كيف "كان رئيسا لمصر" نجد التناقض الشديد بين ما يقتنع به و بين ما ينفذه و يزيل امضاؤه عليه , من قانون الأصلاح الزراعى لحل جماعة الأخوان للأعتقالات لحل الأحزاب و حتى فى قرار الأستقاله الذى اخذه ثم عاد فيه , ليس هذا اتهاما للرئيس محمد نجيب بشيئ قد يقلل من شأنه بقدر ما هى رؤية ان طبيعته السياسيه المتأرجحه جعلت تودد جماعة الأخوان اليه سهلا و تسببت فى الوقيعه بينه و بين باقى مجلس قيادة الثوره , و هو ما انتهى فيما بعد بتحديد اقامته و عزله من منصبه.
حين احتاج الضباط الأحرار لأسم كبير يمثلهم بدلا من ان تظل حركة من شباب الضباط قد لا يقتنع بهم جموع الشعب المصرى المعتاد على ان يحكمه و يخطب فيه اصحاب الشعر الابيض و الوجوه التى تحمل تجاعيدا بعدد السنين التى عاشوها , فلجأوا اول ما لجأوا الى عزيز المصرى و الذى كان ابا روحيا لحركتهم و منظرا لهم فى كثير من اوقات تحضيرهم للحركه , و لكنه رفض لكبر سنه و تقديره انه لا يستطيع تحمل مثل هذه المسئوليه فى هذا السن , فكان محمد نجيب , و الذى كان مقربا من عبد الحكيم عامر و بالتالى تعرف على عبد الناصر و أيد افكاره و قبل بهذه المهمه الشرفيه , لم يكن يحضر اجتماعاتهم و لا تحركاتهم لا قبل و لا بعد الرئاسه , كان على ما يبدوا مقتنعا بدور الحامى و المضحى و الاب الروحى دون ان يطلب ما هو اكثر , فهذا الجندى الحاصل على نجمة الشرف العسكريه و المثقف المتقن لسبع لغات , كان يعلم فى قرارة نفسه انه مؤيد اكثر من قائدا , واجهه مشرفه اكثر من عقل مدبر.
قرر مجلس الثورة الغاء جميع الأحزاب السياسيه و هو ما يعنى الغاء الديموقراطيه لفساد الحياه النيابيه قبل الثورة , و كان هذا القرار على هوى الأخوان و مرشدها المستشار السابق حسن الهضيبى و الذى قال ان الأحزاب تعمل لوجه الشيطان !! انهم الأخوان الذين يوهمون الناس انهم من انصار الديموقراطيه و التعدديه الحزبيه لضمان صلاح الحياه السياسيه و القرار التوافقى , بينما مرشدهم يرى ان هذا الجرم من صميم عمل الشيطان , الحقيقه الأكثر تجليا انهم كانوا بهذه المباركه لقرار حل الأحزاب يريدون الشماته فى عدوهم اللدود , الوفد , فطالما تم حل الوفد فلا تنظيم على الساحه غيرهم و هم ليسوا حزب سياسى حتى يشمله قرار الحل , هم جماعه دينيه و الدين منهم براء.
و هنا نرى شخصا قريبا من عبد الناصر و باقى قادة مجلس قيادة الثورة , شخصا ظهر فى هذه الفتره منذ نجاح ثورة الثالث و العشرين من يوليو بل و قبلها بقليل , لم يكن ايضا حتى هذا الوقت عضوا فى جماعة الأخوان , فكان مرجعا لأفكار الضباط الاحرار عن العداله الأجتماعيه و رفض القهر و الأستعباد , و لكن ما ان اصابته لعنه الأخوان , حتى تحول الى رجلا تكفيريا و نبذ نفسه عن كل ما كان قد حققه فى حياته الأدبيه و الفكريه بل و السياسيه و تحول لعدو الثورة الأول و المحرض الرئيسى فكريا على الفوضى و الكراهيه , انه سيد قطب , لم يظلمه عبد الناصر و رفاقه بل هو الذى ظلم نفسه حين قرر ان يتخلى عن الوطن فى سبيل الجماعه , فكلمة الوطن باقيه حقا و الجماعه الى زوال , و اختار قطب الجماعه , فكان مصيره الزوال كما سنروى فيما بعد.
بعد نجاح حركة الضباط الأحرار , تصدر المشهد السياسى فى مصر عدد من الشخصيات ممن ارتبط اسمهم بأسم جماعة الأخوان المسلمين , فى الفتره ما بين 1952 و حتى نهاية 1954 كانت فتره ملحميه فى علاقة الثوره و ضباطها بجماعة الأخوان , فنجد مجموعة من الأسماء الهامه و التى على اساسها ستبنى "حدوته" الثورة و الأخوان خلال هذين العامين , هذه الأسماء تتلخص فى رئيس مصر اللواء محمد نجيب , البكباشى عبد المنعم عبد الرؤوف , المستشار عبد القادر عوده , الشاعر و الاديب سيد قطب و المستشار الهضيبى مرشد الجماعه على استحياء و اخيرا محمود عبد اللطيف منفذ محاولة اغتيال الزعيم جمال عبد الناصر.
بدأت الأخوان فى فرض نفسها و محاولة ركوب الثورة كعادتهم و عرض طلباتهم المستمره على مجلس قيادة الثورة , حاول الأخوان ان يجعلوا ثورة 23 يوليو هى ثورة الأخوان و لكن ابى عبد الناصر و رفاقه الا ان تكون ثورة الشعب , كانت الطلبات متمثله فى الأطلاع على كل قرار قبل اعلانه , تشكيل الوزاره لابد ان يكون تحت اعينهم و بموافقتهم , حتى ان مجلس قيادة الثورة طلب منهم ترشيح ثلاث اسماء منهم ليكونوا وزراء فى اول حكومه بعد الثوره , فرشحوا اسماء غير معروفه و لم يتقبلها الضباط الأحرار فقد ارادوا اسماءا لها ثقل مجتمعى و خلفيات سياسيه حتى تكون حكومة الثورة من النخبه و يستشعر الشعب بداية التغيير , فطلب عبد الناصر اسم الشيخ الباقورى , فرفض الأخوان , و لكن الباقورى وافق على خدمة الثورة و الوطن و فضلهم على الجماعه و قرارها , فكان مصيره ان فصل من جماعة الأخوان , و عينته الثورة وزيرا للأوقاف.
ايضا حاول الأخوان اضافة اللمسات الأسلاميه الى قرارات الثورة , فأن لم يكن لنا وزراء او اعضاء بالقياده , فيكفى ان يستشعر المواطن من القرارات التى تتخذ انها قرارات تنتمى الى فكر الجماعه الذى نوهم به الساذجين من اعضاء التنظيم , فيعلم الجميع اننا من نقف خلف كل قرار , مثل طلبهم بفرض الحجاب على الشعب , رغم ان الكثير من بناتهم فى هذا الوقت "اقصد قيادات الجماعه" لم يكن محجبات اصلا , و لكنها عباءة الدرويش التى ينخدع بها المغيبين , و هو الطلب الذى ايضا عارضه عبد الناصر ليس لشيئ الا لأنه لم يكن وقت مثل هذه القرارات المجتمعيه , فالوطن فى حالة ثورة , و الشعب يغير جلده , يتخلص من الاستعباد و الاستعمار و الذل , و هذا شأن مؤسسات مثل الازهر و الاوقاف تتخذه كقرارا وقتما ترتأى صحته و وجوبه , و غيرها من الطلبات و العراقيل و التحكمات و التى ان دلت على شيئ لا تدل الا على دنو فكر الاخوان و عدم اهتمامهم بقضية الوطن , هم لا يعلون الا قضية الجماعة فقط , لا ينتمون لثورة او لشعب او لمستقبل امه , هم ينتمون فقط للجماعه .
و بدأ عبد الناصر يجرى مفاوضات مع المحتل الانجليزى للوصول الى اتفاقية جلاء , و لكن لم يكن هذا يهم الأخوان فى شيئ و خرجوا ينددوا بهذه المفاوضات حتى قبل ان يعرفوا بنودها , فهم يريدوا ان يضعوا العراقيل فقط امام مستقبل مصر و مستقبل ثورة 23 يوليو , و هددوا ان الاتفاقيه لن تمر على خير , و حدثت مظاهرات و اشباكات بجامعة القاهرة و غيرها من الميادين بمصر و وقع ضحايا و مصابين , الأمر الذى انتهى بأن اتخذ مجلس قيادة الثورة قراره بحل جماعة الأخوان للمرة الثانيه فى تاريخها فى عام 1953 , و صدر الأمر بأعتقال العديد من اعضائها و منهم المستشار السابق الهضيبى مرشد الجماعه .
و كان من ضمن من صدر ضدهم الأمر بالأعتقال , البكباشى عبد المنعم عبد الرؤوف , كان عبد المنعم عبد الرؤوف عضوا اصيلا فى جماعة الأخوان المسلمين قبل ان يبدأ تنظيم الضباط الأحرار فى التكوين , و كان همزة الوصل بين الحركه و بين تنظيم الأخوان فى الشهور الاولى من تكوين الحركه و تخطيطها لعمل الثورة و التحرك العسكرى و الشعبى الذى انتهى بأعلان بيان الثورة فى الثالث و العشرون من يوليو , و بعدها طلب مجلس الثورة من عبد المنعم عبد الرؤوف ان يتحلل من انتمائه لجماعة الأخوان و يكمل معهم مشوار الثورة الذى بدأوه , الا انه رفض , فقد كان مرض الاخوان قد تمكن من جسده و صارت الجماعه عنده هى الأصل و بدونها لا معنى لحياته او لدينه او لوطنه , كما يتوهمون , و لذا كان قرار ناصر اقصائه من مجلس القياده و ابعاده عن اى موقع يسمح له بمعرفة القرارات او يقربه من مركز العمليات , فظل يتنقل من وظيفه عسكريه الى اخرى و من سلاح الى سلاح حتى انتهى الى وظيفه مكتبيه مدنيه داخل الجيش , و كانوا يرصدون تحركاته و يعلمون علاقته بالتنظيم الاخوانى و بنظامهم السرى الخاص المسلح , و لذلك كان اسمه من ضمن اسماء المعتقلين فى عام 1953 بعد حل الجماعه و توجيه تهم العمل على قلب النظام و زعزعة الأمن , الا ان عبد المنعم عبد الرؤوف استطاع بطريقه او بأخرى ان يهرب من السجن الحربى , و اختبأ عند احد "أخوانه" , و يروى فى مذكراته كيف انه هو الذى انتقى محمود عبد اللطيف منفذ محاولة اغتيال عبد الناصر فى 1954 , و قام بتدريبه و اعداده لهذه المهمه , انها لعنة الأخوان , من يصاب بها تعمى بصره و بصيرته , فلا يراعى اهلا او اصدقاء و يبحث فى الدين عما يجعله يبرر ما يفعله من قتل و غدر , لقد حاول معه عبد الناصر حتى بعد ان انفصل عن مجلس قيادة الثورة تعددت اللقاءات بينه و بين عبد الناصر محاولا اقناعه بأن يبتعد عن هذا التنظيم الارهابى "كما يروى هو نفسه فى مذكراته و لكن بدون كلمة ارهابى" , و لكنه يأبى الا ان يكون عبدا للتنظيم و انتهى به الحال مخططا و مدبرا لقتل احد اصدقائه و زعيما قوميا بقدر جمال عبد الناصر.
و بين قرار حل الجماعه و انتهاء شهر العسل بين الأخوان و عبد الناصر , بين عبد القادر عوده و سيد قطب اصدقاء عبد الناصر , بين رئيس جمهوريه شرفى و مرشد جماعه ضعيف , و بين ثورة شعب و غدر جماعه , توالى الصدام الدموى الذى انتهى بحادث المنشيه الشهير و محاولة اغتيال الزعيم جمال عبد الناصر ....
و للحديث بقيه ....
د.حاتم حلمى عزام

للتواصل https://www.facebook.com/hatem.azam.5?ref=tn_tnmn

الحلقات السابقه http://hatemazzam.blogspot.com/

ليسوا ثوارا و ليسوا احرارا "الحلقه الرابعه"

ثلاثة من الرجال فى سن الشباب يصعدون سلما لعماره قديمه بحى السيده زينب و يطرقون باب شقه بالدور الثانى , ليفتح لهم الباب رجلا يبدو انه تجاوز الاربعين من عمره و يسمح لهم بالدخول مرحبا بهم , واحد من الثلاثه كان يتعامل مع المكان بصوره تظهر انها ليست اول زياره له بينما ظل الاثنين الأخرين يستكشفون تضاريس المكان و تفاصيله بنظرات الزائر لأول مره , جلسوا الأربعه بغرفة الصالون و بدأ صاحب المكان و كانوا ينادونه "عبد الرحمن" , بدأ يتحدث الى الرجلين و يشرح لهم تفاصيل و شروط و واجبات الأنضمام الى الجماعه , و ان البيعه التى هم مقدمون عليها خطوه هامه و فارقه و لا يجب اتمامها الا لو كانوا على قناعه تامه , و بدون مناقشه تذكر ابدى "جمال" و "خالد" موافقتهما على كلامه , و عندئذ بدأ "عبد الرحمن" فى ادخالهم واحدا تلو الأخر بغرفة المبايعه , شبه مظلمه , لا يرى المبايع وجه الشخص الذى يبايعه , و يضع يده على المنضده حيث يوجد المصحف و المسدس , و يقسم بالبيعه و بالسمع و الطاعه و بالتضحيه بالدم و الروح ...
انتهى الرجلان من البيعه و خرجا من الغرفه و هم مذهولين مما رأوه , و هموا بالأنصراف , ودعوا الرجل الذى استقبلهم و المدعو عبد الرحمن "السندى" , و الذى كان مسئول النظام الخاص بجماعة الأخوان , و خرجوا و بصحبتهم رفيقهم الثالث الذى قادهم الى المكان , و بمجرد خروجهم , نظر خالد "محى الدين" الى جمال "عبد الناصر" نظرة معروف ما ورائها من اسئله و فهمها جمال فسارعه قائلا "نتكلم بعدين مش دلوقتى".
كان الزعيم الخالد جمال عبد الناصر يتمتع بعقليه سياسيه و عسكريه فذه , لا يخطو الخطوه الا و قد حسب لها من الحسابات و قدر عواقبها القريبه و البعيده بكل حذر , و حين قرر مع زملائه الشروع فى تنظيم الضباط الأحرار ليكون اليد المنفذه لثورة الشعب المصرى ضد فساد الملك و سطوة الأحتلال الأنجليزى و محاربة الأقطاع و الأنتصار لحقوق الشعب المصرى فى العزه و الكرامه , كان لابد ان لا يترك بابا الا و يطرقه او تنظيما من شأنه ان يساعده هو و زملائه فى حركتهم التاريخيه , و من اهم هذه التنظيمات كان تنظيم الأخوان , لم يكن ناصر او خالد محى الدين او غيرهم من الضباط الأحرار اعضاءا فى جماعة الأخوان يوما , و لكن انضمامهم للنظام الخاص كان من قبيل التعرف على الأفكار و نشود المسانده فى الحركه التى يخططون للقيام بها , و الغريب ان نرى ان جماعة الأخوان تسنفذ الشباب فى درجات التحول من شخص طبيعى الى ان يصل الى مرحلة المبايعه ما بين الدروس و التوجيهات و فرق الجواله و التدريبات حتى يتأكدوا من صلاحيته و قدرته على خدمة النظام الخاص , اما فى حالة عبد الناصر و غيره فلم يتكبدوا مشقة الدعوه و التوجيه بل ادخلوهم الى مرحلة البيعه مباشرة , و هذا من صميم فكر الجماعه , فليس هدفهم كما يدعون الدين او التدين او الجهاد فى شيئ , فعندما وجدوا ان لأعضاء حركة الضباط الأحرار فائده من التعاون معهم , فقرروا ان ينظموا العمل بين نظامهم الخاص و بين حركة الجيش , و حفظا لماء الوجه امام باقى الأعضاء الممسوخ عقلهم , فكان لابد من ان ينفذوا الضباط البيعه بشكلها الماسونى المعروف حتى لا يتخلل الشك الى نفوس المغيبين من باقى اعضاء النظام.
قرر ناصر و محى الدين الخروج من هذا النظام الخاص للجماعه بمجرد ان خرجوا من باب العماره التى اتموا فيها بيعتهم , و توالت بعدها زياراتهم لعدد من التنظيمات الأشتراكيه و الشيوعيه , لم يتركوا بابا الا و قد طرقوه حتى تكون لحركتهم النافذه لثورة الشعب تأييدا شعبيا لا يعيق استكمال خطواتهم نحو التحرر و العداله.
بعد اغتيال البنا , تشرذمت جماعة الأخوان , و تفرقوا ما بين معتقل و هارب , اختفت الجماعه عن الساحه السياسيه و المصريه طيلة العام الذى تلا اغتيال البنا , حتى جاء عام 1950 و بدأت محاولات الجماعه فى الظهور مرة اخرى على استحياء.
و رغم العداء المحتدم بين الجماعه و حزب الوفد فقد ارتأى هذا التنظيم البرجماتى ان مصلحته الأن تقتضى التعاون مع حزب الوفد حتى يتسنى له الظهور على الساحه مره اخرى , و كان خطأ تاريخى وقع فيه الوفد ان لوث سمعته الوطنيه و رموزه الساطعه فى تاريخ مصر و وافق على التعاون مع الاخوان , كان الاتفاق ينص على ان يساعد تنظيم الأخوان حزب الوفد فى الأنتخابات و تولى الحكومه على ان يقوم الوفد فى المقابل بالأفراج عن اعضاء التنظيم المعتقلين
و بالفعل بدأ الأخوان فى الظهور الى الساحه السياسيه مره اخرى , و لكن هذه المره فى صورة التنظيم السياسى الذى يدير اموره بطريقه مجتمعيه بعيده عن الاعمال السريه و التفجيرات و الأغتيالات , و دارت المقترحات حول من يتولى منصب المرشد العام خلفا لأمامهم البنا , كانت من الاسماء التى اقترحها بعض الاعضاء و كانت تلقى قبولا لدى القصر و الملك هو اسم الشيخ الباقورى و الذى زار بعض المعتقلين من اعضاء التنظيم ليشاورهم فى الامر و لكنهم رفضوا بشده , و كان السبب ان الباقورى لم يكن على علم بكل تنظيمات الأخوان السريه و خاصة النظام الخاص و كذلك سلاح الوحدات , و هنا يجب ان نتوقف عند كلمة "سلاح الوحدات" و الذى كان مسئولا عنه صلاح شادى ...
هذا التنظيم الذى كان يضم ضباطا من الجيش و الشرطه ممن يدينون بالولاء لجماعة الأخوان , قد يحاول البعض ان يقارن سلاح الوحدات الأخوانى بتنظيم الضباط الأحرار و لكن شتان الفارق , فالضباط الأحرار قد يكونوا قد اختلفوا بالفعل مع قياداتهم و قرروا القيام بحركه عسكريه غير مسبوقه فى التاريخ المصرى الحديث و لكنهم كان ولائهم و انتمائهم قبل و بعد الثوره فقط للوطن و للشعب المصرى دون انشقاق او خيانة و لكن سلاح الوحدات الأخوانى فالضباط التابعين له ولائهم الأول و الأخير للجماعه , فهم جنود للجماعه و ليس لمصر و لا يستطيعون ان يقفوا موقف الحياد فى اى خلاف سياسى يتطلب التدخل منهم بحكم شرعيتهم كجيش و قوه امنيه وطنيه , و لعل اوضح صوره لهذا الفرق هو عبد المنعم عبد الرؤوف و الذى كان واحدا من الضباط الأحرار و عضوا بجماعة الأخوان , و بعد نجاح الثوره و الاتجاه الى ان يكون تشكيل مجلس الثوره خاليا من اى انتماءات حزبيه او توجهات دينيه و طائفيه , عرضوا على عبد المنعم عبد الرؤوف ان يختار ما بين الوطن او الجماعه و كان اختياره هو الجماعه , و هذه الخطوه تبلور و بشده فكر هذا التنظيم الذى يدين كل افراده بالولاء للجماعه فقط دون اى اعتبار لأى اولويات اخرى حتى لو كانت الدين او الوطن , ذلك انهم يتوهمون انهم هم الاسياد و ينظرون للشعب نظرة دونيه , فلا جيش او شرطه او ازهر او حكومه او قضاء افضل من الجماعه , و هو الفكر الذى يصنع منهم جماعه منبوذه و محظوره من داخلها قبل ان ينبذها المجتمع او يحظرها القضاء , و من المؤسف حقيقة ان هذا السلاح لازال يعمل ببعض افراد ينتمون الى مؤسستى الجيش و الشرطه فى سريه دون ان يتعرف عليهم الشرفاء ممن يحملون امانة الوطن و لكن الجيد انهم كما بدأوا يستمرون , قله خائفه منبوذه ينتمون لجماعه محظورة اقل ما توصف به انها ارهابيه.
بعد رفض الباقورى لتولى مهمة المرشد , ظهر توجه جديد تماما و اسم لم يكن ينتمى اصلا للأخوان , كانت تربطه صداقه قويه بحسن البنا , المستشار حسن الهضيبى , و الذى كان قاضيا بمحكمة النقض , و لاقى هذا الأسم قبولا داخل القصر و عند الحكومه المصريه و لكن هذا القبول لم يكن بنفس الدرجه داخل الجماعه , فقد رفضه الكثير من الأخوان و السبب انه لم يكن عضوا تنظيميا بارزا داخل جماعتهم , و كان ابرز الرافضين هو الشيخ الغزالى و الذى استشاط غضبا من اختيار الهضيبى كمرشدا عاما للجماعه و كان داخل المعتقل , فكتب من هناك عددا من الرسائل و المقالات هاجم فيها الهضيبى بشده و كشف حقيقة ان الهضيبى ماسونيا و ينتمى للتنظيم الماسونى العالمى و انه يمثل خطرا على الدعوه و على الجماعه , و هو نفس الكشف الذى ذكره العقاد و غيره من المحللين للوضع السياسى فى مصر سواء كانوا من داخل الجماعه او خارجها.
لم يكن الهضيبى وحده هو الذى ينتمى للتنظيم الماسونى , فهناك ايضا مصطفى السباعى مرشد الأخوان بسوريا و غيرهم , كما ان تنظيم الجماعه هيكليا و طريقة المبايعه كلها تحمل الفكر الماسونى و تثير الشكوك حول علاقة هذة الجماعه بالماسونيه العالميه+ و الذى يهدف الى التمكين و الأستاذيه فى السعى نحو السيطره على زمام العالم بأسره.
و منذ تولى الهضيبى كمرشدا ثانيا للأخوان , نرى عددا من المواقف توضح طريقة تعامل الجماعه الدموى فيما بينهم , فما بالك بطريقتهم مع المجتمع الذى يرونه أقل منهم و يكفرونه و يصورون لأتباعهم انه مجتمع جاهلى كافر.
أول هذه المواقف حين هاجم الرافضون للهضيبى مقر الأخوان و احتلوه و هددوا الهضيبى و حاولوا ان يرغموه على التخلى عن منصبه هذا , و حدثت اشتباكات و سقط المصابون مدرجون فى دمائهم , و لكن انصار الهضيبى استطاعوا ان يطردوا المعارضين و سيطروا على وضعهم و وضع مرشدهم و "شرعيته".
الموقف الثانى نعايش فيه غدر و دموية هذا التنظيم , حين اراد الهضيبى ان يجمل صورة الجماعه و يغسل يديها من كل الدم الذى لوثها خلال الأعوام الأخيره , فقرر "ظاهريا" ان يحل النظام الخاص , هذا التنظيم العصابى الأرهابى الذى قتل و اغتال و فجر و تسبب فى الفوضى بالشارع المصرى , لكن الحقيقه انه فى الخفاء اسند الى "سيد فايز" مهمة اعادة تشكيل النظام الخاص بأفراد و وجوه جديده لا تكون مكشوفه و محروقه , و هذا بالطبع اثار غضب عبد الرحمن السندى القائد الأول للنظام الخاص و اتباعه و كان قرارهم هو اغتيال سيد فايز , فأرسلوا له فى المولد النبوى علبة حلوى مفخخه و فتحها سيد فايز فأنفجرت بوجهه و تسببت فى موته هو و اخيه الصغير و طفله كانت تسير اسفل بلكونته فأنهارت عليها البلكونه و قت الأنفجار !!! انهم يقتلون بعضهم و يستبيحون دماء بعضهم و يتصارعون فيما بينهم على السلطه , فتصور كيف يكون تفكيرهم تجاه فكرة تداول السلطه و الديموقراطيه مع افراد من الشعب ممن لا ينتمون اليهم , و هو ما اكدته الجمله التى قالها الفريق "عبد الفتاح السيسى" فى اعقاب ثورة 30 يونيو و فى شهادته انه سمع من رئيس الجمهوريه الأخوانى محمد مرسى جملة "احنا هنحكم 500 سنه" , و لم لا ؟ فكل من يكون عقبه امامهم لا يزيد ثمنه عن ثمن الرصاصه التى تستقر بقلبه و بعدها لا عائق امام رغبتهم فى السلطه المطلقه ...
عادت الجماعه بعد حلها للعمل تحت قيادة المرشد الثانى حسن الهضيبى و الذى فضل الجماعه على القضاء , استقال من كرسى يجلس عليه ليحكم بين الناس بالعدل و يكون فيه ممثلا لأسم من اسماء الله الحسنى و خادما للشعب ليستبدله بكرسى الجماعه , فهل بعد الجماعه شيئ ؟ هكذا يتوهمون.
و ظلت الجماعه تسير و حركة الضباط الأحرار تتقدم و الشارع يغلى و القصر يمتلئ بالفساد , و احترقت القاهره فى يناير 1952 و كانت ايذانا ببدء التحرك العملى لحركة الجيش حتى ينقذ مصر مما ألت اليه من تردى و طغيان , و اصدر مجلس قيادة الثوره بيانه الأول فى الثالث و العشرين من يونيه من عام 1952 معلنا صوت الشهيد انور السادات انتهاء عصر الأستعباد و الاحتلال و الفساد ليبدأ عصر جديد من العزه و الحريه و العداله الأجتماعيه , و زيل البيان امضاء محمد نجيب و الذى سيصبح اول رئيسا لمصر بعد الثوره .
أيد الأخوان الثوره كعادتهم , فهم لا يبدأون شيئا ابدا , هم يستغلون اى موقف وطنى ليلفتوا الأنظار بحشودهم و التى ليست بالكثيره و لكنها منظمه , و بهذه الحشود يدعون انهم هم اصحاب الحدث , و كأن العمليه السياسيه و الحراك الوطنى هو فقط حشودا و هتافات , فلا قيمة للعقل و التخطيط و التضحيه و الجرأه فى اتخاذ الخطوه الأولى و الأهم , فهذه اشياء لا تتقنها الجماعه , هم فقط يتقنون الحشد و احداث الفوضى و العمل السرى من اغتيال و غدر .
و مع بداية عصر ما بعد ثورة 1952 , كانت قد انتهت دعوة الأخوان الدينيه تماما و كان توجههم سلطوى سياسى بنسبة مائه بالمائه , و لكن مجلس الثوره و ضباطه الأحرار المخلصين لقضيتهم الوحيده و هى الوطن لم يكونوا ليسمحوا لفصيل واحد بعينه أن يتصدر المشهد الثورى , فقد كانوا على قناعه ان الثورة ثورة الشعب كله من اجل حياه كريمه , و كانوا ايضا يعلمون جيدا أن تنظيم الأخوان ليسوا ثوارا بل و ليسوا احرارا , و من هنا بدأ الصدام بين الثوره و الأخوان ....
و للحديث بقيه
د.حاتم حلمى عزام

الحلقه الأولى "الساعاتى" http://www1.youm7.com/News.asp?NewsID=1261907&SecID=190&IssueID=168
الحلقه الثانيه "حامى المصحف و الحاج محمد هتلر"
الحلقه الثالثه "و مات المرشد وحيدا"
للتواصل