الجمعة، 20 سبتمبر 2013

حامى المصحف و الحاج محمد هتلر "الحلقه الثانيه"

الجيش و الشعب ايد واحده
من قلب ميدان التحرير الف تحيه للمشير
يا مشير يا مشير من النهارده انت الأمير
يسقط يسقط حكم العسكر
هكذا انشقت حناجر الاخوان بالهتاف من ميدان التحرير تارة تنادى و تستنجد بالجيش او كما اسموه بعد ذلك "العسكر" و تارة مؤيده للمشير طنطاوى , الحاكم العسكرى لمصر قبل اجراء الانتخابات الرئاسيه المزعومه فى عام 2012 , و اخيرا مناهضه للجيش و رافضه لأى تدخل منه بعد انتفاضة الشعب عليهم فى مشهد ثورة 30 يونيو العظيم
قبل هذه الاحداث باربع و ثمانين عاما , كان المرشد الأمام حسن البنا الساعاتى ينتقل الى محافظة الأسماعيليه ليعمل مدرسا بمدرسة الاسماعيليه الابتدائيه و فكرة الخلافه تملأ عقله و تلهبه حماسا و تقض عليه مضجعه , و لكنه لم يكن مندفعا متهورا بقدر ما كان كيسا و واقعيا , فقرر فى عام 1927 و كان عمره انذاك 21 عاما ان يلبس عباءة الدين و ينشئ بنفسه سلما قويا , قد يكون طويلا و لكن يصل فى نهايته الى اقصى غاياته , التمكين التام.
اختار البنا لنفسه ثلاث مقاهى شهيره و بدأ يزورها مرتين اسبوعيا , يقف واثقا مالكا لزمام كلمته بل و مدعيا احيانا كثيره الثبات و القوه , يلقى بكلماته الساحره البراقه حول الدين و الدوله و الخلافه و يدعو الى اتباع شرع الله الذى اضاعه الناس بين كل مظاهر الليبراليه الفاجره "حسب رؤيته" , يتحدث و يسهب و يأسر عقول مستمعيه , حتى جاءت اللحظه المناسبه.
فى عام 1928 , اجتمع مع سته من عمال المعسكرات فى منزله يهنئونه بعيد الفطر , و فى هذا اليوم قرر البنا انهاء فترته التجريبيه فى العمل الدعوى و الدخول الى عالم الجهاد الحقيقى , و اتفق مع هؤلاء السته على ان يبدأوا فى زرع نواة جماعته "السنا مسلمين ؟ فلنسميها الاخوان المسلمين".
و منذ اللحظه و انطلق قطار جماعة الاخوان و التى كان البنا مخططا لها قبل ان يعلنها , فكان على قطار الاخوان ان يتوقف فى ثلاث محطات ليغير اساليبه و يبدأ الرحله من جديد , التكوين , التنفيذ , الانتصار
و كانت فترة التكوين هى العشر سنوات الاولى من عمر جماعة الاخوان , و بدأت الجماعه فى الانتشار كالوباء , فالخطاب الدينى المفخخ غالبا ما يجد المريدين من كارهى المجتمع و اصحاب العقد النفسيه الذين يرجعون اى خلل على انه خلل فى الدين دون ان ينظروا داخل انفسهم اولا , و هذه الفئه هى التى تراها بعد ذلك بالمجتمع و تستعجب امرها , فتجده مصليا و غضا لبصره و قارئا للقرأن لكنه فى سلوكه منفرا , عصبيا و سيئ المعامله و احيانا يستحل لنفسه ما قد يحرمه الدين اصلا و لكنه يجد دائما ما يبرر به افعاله , ذلك انهم لم يصلحوا انفسم من الداخل , فقط ارتدوا عباءة الدين لتستر عورات اخلاقهم , و لكن الدين الحق الحنيف المتسامح برئ من هؤلاء المنفرين , اضف الى ذلك فكرة الخلافه التى سقطت و الصقها البنا فى خطاباته و كانت نقطة ضعف عند جموع المسلمين فى مصر و خارجها , فهم و كما ذكرنا يشتاقون للخليفه الأمر الناهى الذى يستندون اليه و هم مضطرون و يشعرون بالفراغ حين يفقدوه , ينادون بالحريه و هم ابعد ما يكونون عن فهمها , بل يخافون منها , فكان البنا و دعوته كفيلا بتوفير العباءه و سد الفراغ.
بدأ البنا تمويل الجماعه و تجيهزها اقتصاديا و بدنيا و نفسيا , فكان يحصل التبرعات من الاعضاء , و التى سيستعملها هو و من سيأتون من بعده كغطاء لمصادر التمويل الحقيقيه , فعندما اراد بناء مسجدا قام بتحصيل التبرعات المعتاده من "الأخوه" و لكنه ايضا حصل على مبلغ خمسمائة جنيه من شركة قناة السويس الفرنسيه البريطانيه , و كان هذا المبلغ انذاك بمثابة ثروه حقيقيه , تذكرت هنا جزء من رواية القاهره 30 للعالمى نجيب محفوظ حينما اعطوا بطل الروايه محجوب عبد الدايم مبلغ 20 جنيه و قالوا له هذا المبلغ لشراء "بدل و قمصان و كرافتات و شرابات و كافة لوازم الفرح !" , فما بالك بال 500 جنيه , و الحق يقال ان بعض من اعضاء الجماعه كان ضميرهم الوطنى و الدينى لازال حيا و يتسائل , فتعجبوا و صارحوا الامام الملهم " كيف نقبل تبرعات من اجانب , هل اموالهم حلال ؟ " , فما كان من الامام الساعاتى الا ان بدأ فى وضع منهج جديد سيستخدمه هو نفسه و من يتبعه من المرشدين بعد ذلك فى عمليات القتل و التفجير و الفوضى دون ادنى احساس بالذنب او مراعاة للدين و الوطن , مبدأ التبرير "هذه اموالهم حقا و لكن الواقع انها اموالنا نحن المصريون , اليست على ارضنا , هم المغتصبون , فأى تبرع هو من صميم حقنا " هكذا سحرهم البنا , فأومأوا جميعا بالسمع و الطاعه , و لكن الحقيقه ان البنا لم يستطيع ان يرفض مبلغ بهذه القيمه , صحيح انه لن يستفيد به لنفسه فى شيئ , فهو لبناء بيت من بيوت الله , لكن كان كافيا له ان يقال "البنا , مرشد جماعة الأخوان هو من بنى هذا المسجد"
حققت الأسماعيليه اهدافها بنجاح منقطع النظير لم يتوقعه البنا نفسه , و بدأت الدعوه تنتشر خارج الاسماعيليه للمحافظات القريبه منها حتى جاء عام 1932 , شعر البنا ان الرحله الاولى شارفت على الأنتهاء و المحطه اصبحت قريبه و انه تأخر على خطوه هامه و فارقه , القاهره.
من الأسماعيليه الى الحلميه , و كان صيته و صيت جماعته قد سبقه , فلم يصدق اهل القاهره انهم يروه اخيرا , و هناك بدأ النشاط الحقيقى , خلعت الجماعه عباءة الدعوه الزائفه و انخرطت فى العمل السياسى البحت بلا اى تخفى , و عقد البنا بالقاهره المؤتمر الثانى للأخوان عام 1934, فقد كان قد عقد المؤتمر التجريبى الأول بالأسماعيليه عام 1931و الذى اعلن فيه عن تكوين هيئة "مكتب الارشاد" لأول مره.
ايد الوفد فتره ليست بالطويله و التقى بهم و بقادته , ثم عاد و دأب على الهجوم عليه فقد كان الملك فؤاد محبا للوفد و كارها للأخوان , حاول البنا تطبيق نظرية المصالح المشتركه مع الطاغوت و التى رفضها فؤاد و ارتضاها فاروق و رفضها ناصر و ارتضاها بعد ذلك السادات و مبارك , فيأس البنا من الملك فؤاد و كان عدوا له و للوفديين معه.
و فى عام 1936 , اعتلى الملك فاروق عرش مصر , و بدأ الأخوان محاوله جديده من التملق و المداهنه للنظام الحاكم , استقبل الأخوان الملك فاروق فى الشوارع و على محطات القطارات بالهتافات المؤيده , المبايعه "الله مع الملك" "فاروق حامى المصحف" " نبايعك يا امير المؤمنين " فى موقف مثير للشفقه و السخريه حين نذكر ان بعدها بخمس و سبعين سنه , يستعيدون الماضى بميدان التحرير و هم يهتفون للمشير طنطاوى " من النهارده انت الأمير " و الف تحيه للمشير من قلب ميدان التحرير.
و لم يتوقف تملق جماعة الاخوان المبكر للأنظمه الحاكمه مهما بلغ فسادها عند حدود مصر , بل بدأ الاتصال بالدول الخارجيه فى وقت مبكر جدا , فالبنا الامام لم يكن لتفوته اى تفصيله صغيره حتى لا يأتى المستقبل و يندم انه لم يفعلها , فكان الاتصال بالالمان مع بشائر الصدام الذى ادى الى نشوب الحرب العالميه الثانيه فى 1939 , راسل النازيين الفاشيين و تلقى منهم اموالا و تبرعات مثبته بوثيقه او بفضيحه لازالت موجوده بالمتحف البريطانى , و ذهب البنا لما هو ابعد من هذا فكتب في مجلة “النذير” الاخوانية “أن المانيا تتجه نحو الإسلام وأن علينا أن نبلغها بحقائق الإسلام وأن هتلر يريد أن يتجه الى الإسلام وأنها (ألمانيا) بدأت تدرس اللغة العربية في مدارسهم!”. و اقنع البسطاء من الاعضاء انه يحارب بهذا الانجليز المغتصبين لمصر و الذين يكرههم ايضا الملك فاروق امير المؤمنين و حامى المصحف , فأنطلقت حناجر الأخوان على المنابر و فى الساحات تدعو و تبتهل بالصحه و دوام النصر للحاج "محمد هتلر" فقد صدق البعض شائعة ان هتلر قد اشهر اسلامه و اصبح اسمه محمد هتلر , كذبوا و البسوا الكذبه عباءة الدين , فصدقها المحبين و المريدين.
لم ينس البنا التابعين و نفسياتهم و عمل على ارضائهم , فرق لتحفيظ القرأن , فريق الأخوات , رحلات دينيه و ثقافيه , و غيرها من التفاصيل التى لا تهمنا لأنها لم تهم البنا و مكتب الأرشاد الأول بشيئ الا لسببين , اشباع رغبة الأعضاء المنساقين وراء حلم الخلافه و المنعزلين عن المجتمع خشية ان تصيبهم لعنة الليبراليه الماجنه و الثانى فرق الجواله , و التى كانت بمثابة التحضير للرحله الثانيه , رحلة التنفيذ , و احده من اخطر مراحل تاريخ مصر الدموى , فقد كانت فرق الجواله هى النواه لبداية تكوين تنظيم الأخوان السرى الذى حمل على عاتقه القتل و التفجير و الارهاب للمصريين , حتى لأعضاء الجماعه نفسها احيانا , أو كما عرف ب"النظام الخاص" .......
و للحديث بقيه .....
د.حاتم حلمى عزام

رابط الحلقه الأولى "الساعاتى" http://hatemazzam.blogspot.com/2013/09/blog-post_17.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق