الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

ومات المرشد وحيدا "الحلقه الثالثه"

" أناشد أخوانى - لله و للمصلحه العامه – أن يكون كل منهم عونا على تحقيق استتباب الأمن و استقرار النظام وأن ينصرفوا الى اعمالهم و يبتعدوا عن كل عمل يتعارض مع استقرار الأمن و شمول الطمأنينه حتى يؤدوا بذلك حق الله و حق الوطن " حسن البنا - 11 يناير 1949 قبل أغتياله بشهر
"أعلن منذ اليوم أن اى حادث يقع من اى فرد سبق له اتصال بجماعة الأخوان موجها الى شخصى و لا يسعنى الا ان اقدم نفسى للقصاص و اطلب من جهات الأختصاص تجريدى من جنسيتى المصريه التى لا يستحقها الا الشرفاء الأبرياء , فهؤلاء ليسوا أخوانا و ليسوا مسلمين " حسن البنا - فبراير 1949 قبل أغتياله بساعات
فى ليلة حالكة الظلام من ليالى شتاء القاهره و فى فبراير من عام 1949 بشارع الملكه نازلى "رمسيس حاليا" , كان يقف المرشد حسن البنا و بداخله صراع رهيب , حياته تمتد امام عينيه بصوره غريبه , صور متلاحقه تسبب له التشوش و انعدام الرؤيه , ما الذى انتهيت اليه ؟ اين الدعوه .. اين الشباب المؤمن المتسامح .. هل اعمانى حلم الاماره و الخلافه و حب الزعامه عن الأسلام الحقيقى .. الشارع يسوده الظلام و البرد و الهدوء , حتى اخترق هذا الصمت دوى سبع طلقات رصاص كان نصيب حسن الساعاتى مرشد الاخوان منها سته رصاصات .. و امتلأ الشارع الهادئ بدماء أول مرشد لجماعة الأخوان ....
قرر البنا عام 1939 ان يأخذ خطوه خطيره لها من الحسابات و التقديرات ما عجز البنا عن استيعابها , تكوين "النظام الخاص" , تنظيم مسلح سرى منبثق من جماعة الأخوان و يختار افراده بعنايه فائقه من الشباب المنضمين لفرق الجواله الأخوانيه , يختار منهم من يجد فيه المرشد و مساعدوه القدره على ان يكون عبدا مطيعا للنظام , لا يناقش و لا يجادل , فدائى و متهور , لائقا من الناحيه البدنيه بحكم وجوده فى فريق الجواله , فينضم هذا الشاب الى اسره مكونه من خمس افراد و يقسم بالبيعه على الطريقه الماسونيه الشهيره , غرفه مظلمه و شخص لا يرى وجهه و المصحف و السلاح على المنضده , و يقسم بالولاء و يبايعهم بدمه على السمع و الطاعه.
تولى هذه المهمه بصوره اساسيه عبد الرحمن السندى , هذه الشخصيه الجدليه التى كانت و لا زالت مثار اختلاف و تباين فى الاراء , فهناك من يراه منافسا و ندا للبنا و كثيرا ما كان يتخذ القرارات الخاصه بالنظام السرى الخاص دون الرجوع للمرشد و هناك من رأى انه مخلصا لمرشده الساعاتى و كان يبذل الدم و الجهد لأرضاءه حتى لو كان الثمن ازهاق ارواح و تدمير منشئات.
فى هذا نرى شيئا مذهلا يرويه اعضاء هذا التنظيم انفسهم امثال احمد عادل كمال فى مذكراته , و هى طريقة جذب الشباب الى الجماعه و تهيئتهم و مسح افكارهم بطريقه مثيره للشفقه , فتقرأ فى ما كتبته ايديهم كيف يكون الشاب متوازنا من الناحيه المجتمعيه , طالبا , مثقفا , لديه من الهوايات مثل جمع الطوابع او ممارسة الرياضه و محافظ على الصلاه و يرتاد السينما و المقاهى , فيتم اجتذابه و يبدأ فى ترك كل ما احبه و تعود عليه و كل ما كان مخطط له ان يكون كعنصر فعال فى مجتمعه و اسرته و بلده ليتحول الى مسخا لا دور له الا السمع و الطاعه , فالجدول موضوع له مسبقا من صلوات و دروس و رحلات و تدريبات و ينتهى به الحال "لو كان يصلح" الى ان يصبح اداة للقتل و الحرق و التفجير و كل هذا تحت ميثاق "اعتقد و اتعهد" الخاص بالجماعه.
كانت الحجه الظاهره لبداية هذا التنظيم السرى الارهابى هى نواة الجيش العربى لتحرير فلسطين , و لكن تفجير المقاهى و الأقسام و السينيمات و القتل و الترويع كان من نصيب مصر , رغم مشاركة اعضاء هذا النظام الخاص الفعليه فى حرب فلسطين بدور اختلف ايضا عليه الرواه ما بين اظهار بطولات غير مسبوقه و بين السفر لفلسطين لنشر دعوة تنظيم الأخوان هناك و شراء الأسلحه دون مشاركه حقيقيه فى الحرب كما كتب على عشماوى احد القيادات الأخوانيه فى مذكراته "التاريخ السرى لجماعة الأخوان".
ظل حسن الساعاتى المرشد العام للجماعه مدفوعا بجنون الزعامه و منبهرا بتطور النظام الخاص و زيادة عدده و تعاظم امكانياته دون ان يضع خانه صغيره هامه ... "العواقب" , و مر النظام الخاص و مرشده البنا و قائده السندى منذ عام 1939 و حتى عام 1947 بالعديد من الاحداث و الحوادث من اعتقالات و تحالفات سياسيه و مظاهرات مؤيده و معارضه و تفجيرات و قتلى حتى جاء عام 1948 , و الذى كان عام كشف الحساب و كشف المستور لهذا النظام الخاص و للمؤسس الأمام البنا.
كان قد تم القبض على مجموعه من شباب الأخوان المنتمين للنظام الخاص بتهم متعدده منها تفجير "قنابل عيد الميلاد" بالمقاهى و الحانات و التى امتدت الى بعض الاقسام البوليسيه و "تفجيرات سينما مترو" و غيرها , و عرضت القضيه على القاضى المصرى أحمد بك الخازندار و الذى ادان أعضاء التنظيم بالقتل و الارهاب و الترويع و عوقب بعضهم بالأشغال الشاقه المؤبده.
تلقى هذه الأحكام أمامهم و مرشدهم الساعاتى بالغضب الشديد و قال "لو ربنا يريحنا من الخازندار و امثاله" , فأستقبل السندى الكلمات و اعتبرها امرا واجب النفاذ و استدعى على الفور رجلين من عصابته المسماه "النظام الخاص" و هم حسن عبد الحافظ سكرتير البنا الشخصى و محمود زينهم , و اللذان بلا اى مناقشه و "سمعا و طاعه" للأوامر و فى مارس من عام 1948 نفذا قتل الخازندار و هو فى طريقه لعمله صباحا بحلوان.
و لأنه لم يقدر عواقب هذا النظام الخاص الدموى , فقد استشاط البنا غضبا فور سماعه بنبأ هذه الجريمه , فهو لم يصدر امرا مباشرا بقتل القاضى الخازندار و قرر عقد محاكمه للسندى و مساعدوه , و بكل براءه و خنوع اقر السندى انه تلقى كلمات المرشد و كانها امر بالقتل و نفذ العمليه قاصدا ان ينال الرضا و الحظوه عند سيدنا الأمام , و بكل عاطفيه بكى البنا لسماعه هذه الكلمات و عفا عن السندى و أمره الا يتكرر هذا الفعل الا بأمر منه و "برر" ان قتل الخازندار لم يقصد به قتل روح انسان بل قتل روح التبلد لدى النظام الحاكم , فهى ليست نفس بنفس !
اى مرشد و اى امام هذا و اى دعوة تلك التى يدعون اليها , بل و اى مبرر الذى يبرر به قتل نفس عمدا و ترصدا , و هو نفس المنطق الذى انتهجته الجماعه منذ هذه اللحظه و حملته كسندا و حجه لنشر الفوضى و الدم بمصر طيلة ما يزيد عن الستين عاما حتى وقتنا هذا.
شاءت الأقدار ان ينكشف المستور عن هذا النظام الخاص و بالصدفه فى قضية "السياره الجيب الشهيره" فى نوفمبر من العام نفسه و التى عثر بها على مخطوطات و اوراق ادانت تنظيم جماعة الأخوان و كشفته كتنظيم ارهابى و على اثر هذا , اصدر النقراشى باشا رئيس الوزراء و وزير الداخليه قرارا بحل جماعة الأخوان المسلمين و مصادرة ممتلكاتها و اعتقال كل من يثبت انتسابه اليها.
و كان رد الجماعه هو اغتيال النقراشى , و اعقبوا قتله بمحاولة تفجير مبنى المحاكم الذى اودعت به اوراق القضيه لطمس الحقائق , و صار البنا وحيدا معزولا محاصرا , اين الجماعه ؟ اين الدعوه ؟ اين حلم الزعامه و الخلافه ؟ لقد اصبح الأمام و المرشد و المؤسس عدوا و هدفا للدوله التى تسبب هو فى انتشار الفوضى بها و قتل رموزها غدرا و صار ايضا هدفا للسعديين الذين كانوا يريدون الانتقام لمقتل النقراشى الذى كان واحدا منهم , بل و هدفا لأعضاء جماعته و نظامه الخاص بعدما تبرأ منهم و من افعالهم و ناشدهم بالعوده لروح الدعوه الرشيده و وصفهم بأنهم ليسوا اخوانا بل و ليسوا مسلمين اصلا.
ظل حسن البنا الساعاتى ينزف من جراء الست طلقات اللاتى اطلقن عليه من مجهول , و بمستشفى القصر العينى لم يكن بجانبه احد الا والده الشيخ المسن , مأذون المحموديه صاحب محل الساعاتى , و المصرى القبطى مكرم عبيد , فقط , بعد عشرون عاما من التجنيد و السريه و البناء , بعد المريدين و الهاتفين و المبايعين , توقفت عقارب حياة الساعاتى , و رحل وحيدا محاصرا , قد يكون نادما او مذهولا او فاقدا لزمام امره , لكن حسابه عند ربه حيث لا يظلم احد , مات حسن البنا تاركا ورائه جماعه وجدت نفسها محظوره و منبوذه و هاربه , فقرروا ان يعودوا من جديد و لكن بعد ان يرتبوا اوراقهم ليبدأوا عهدا جديدا عنوانه الانتقام و الارهاب ....
و للحديث بقيه

د.حاتم حلمى عزام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق