الأحد، 15 سبتمبر 2013

المواطن الشوفان


جلست اتحدث الى احد اصدقائى "الاخوانجيه" , كم تضايقه هذه الكلمه , "اخوانجى" و كأنها سُبه , لذا لا اتعمد ذكرها الا عشر مرات على الأكثر اثناء حوارى معه ... 

جلست اتحدث معه فى احوال البلاد و العباد , و كالعاده , يبدأ الحوار و البسمه تعتلى وجوهنا و الود يملأ ثنايا كلماتنا , و كأنها مرحلة تنظيف السلاح و التأكد من جودته و سلامته قبل استخدامه , ثم يبدأ كل منا فى الاحتماء وراء اكياس الرمل كالجندى فى ساحة القتال "الدين,المدنيه,الشرعيه,الثوره ..." , و تختفى البسمه و يفر الود هاربا , و تبدأ المعركه , معركه خاسره , تكررت اكثر من مائة مره بينى و بين صديقى الأخوانجى , و كل مره بلا فائده , و لا نعود منها الا بكم هائل من الاصابات السطحيه و العميقه , اصابات نفسيه , تجعل منا منهكين و مشوشين , و رغم ذلك لا نمل , و نعد الساعات و الأيام حتى نلتقى و يتكرر نفس السيناريو بكل تفاصيله. 

و منذ ايام , تذكرت قصة المحارب الفرنسى "نيكولا شوفان" , هذا المحارب الذى ظل يحارب فى جيش نابليون سنين طويله , و اصيب اصابات بالغه اكثر من سبعة عشر مره , و لكن هذا لم يثنيه عن ان يظل يحارب و يقاتل من اجل مجد فرنسا , بل الاوقع , من اجل مجد نابليون , ورغم اصراره و بسالته , اصبح مثار سخرية من كثرة ما اصابه من تشوهات و اصابات مؤثره , بل و صار اسمه يطلق على اى تطرف اعمى لا يأخذ بالعقل , اى تطرف لا يسمع الا لنفسه فقط , تطرف قائم على حب الوطن او الحزب او الجماعه و كره و معاداة اى طرف اخر , و من هنا ظهرت الكلمه "الشيفونيه" 

شعرت اننى , انا و صديقى , اصبحنا مثل هذا المحارب , اصبحنا مواطنيين شيفونيين , نصاب و نهان و نجرح و نخسر , ثم نصر ان نعود من جديد , و لكن....... 

تخيل ان نيكولا شوفان , الذى اصبح مثار سخريه , و سميت بأسمه و احده من النظريات المتعصبه المكروهه , هذا المحارب كان يحارب اعداء وطنه , قد لا يكونوا اعداء بالدرجه التى تصورها هو , و لكنهم , و هو الاهم , ليسوا من ابناء وطنه , و لكن مصيبتنا , اننا , انا و صديقى و مثلنا الملايين فى مصر , ابناء وطن واحد , هى حقا كارثه. 

لو ان اسرائيل , هذا الكيان "البعبع" الذى نتشدق به كعدو للقوميه العربيه منذ عقود طويله , رأت ما نفعله ببعضنا , تٌرى , هل تحتاج ان تحاربنا ؟ هل تتكبد عناء الحرب و العتاد و الارواح من اجل امة يتقاتلون فيما بينهم ليلاً و نهارا ؟ امه شيفونيه كأسوأ ما يكون المعنى. 

قد اكون انا المحق , و قد يكون هو المحق , و لكننا فى كل حوارتنا لم نفكر فى الحل ابدا , بل نتجادل و نتقاتل و نتعمد تصيد الاخطاء و الاهانه و التشفى و التوعد و التهديد و استعراض القوى و استدعاء الماضى و كل هذه التفاهات , التى لا تصل بنا الا الى الخساره , و خساره مزدوجه. 

نعم انا هنا اتحدث عن المصالحه الوطنيه , مصالحه لها ضوابط و معايير , مصالحه و وحده وطنيه حقيقيه , بين شباب الاخوان و شباب الحزب الوطنى و شباب التيار الشعبى و شباب الفلول و شباب الليبراليين و شباب الكنبه , هؤلاء الشباب الذين خٌدعوا بأسم الدين , انساقوا وراء شعارات واهيه , شباب رغبوا ان يكون لهم وجود و دور يوما ما , شباب لديهم جميعا ارض مشتركه , و لكن اعداء الوطن و الخونه يأبوا ان يجد الشباب هذه الارض المشتركه , انها ارض الوطن , عقيدة الوطن التى تجمعنا كلنا على حب هذة الارض و الانتماء لها . 

لا اتحدث عن مصالحه بين رموز سياسيه و جلسات حوار وطنى مفتعله و سياسيين و متأسلمين تاجروا بالمبادئ و الدماء و الدين و الوطن و الارواح . 

لو طالب شباب الاخوان بتنحى كل هذه الرموز التى تبث سمومها ليلا و نهارا فيهم , و طالب شباب الفلول رموز الانظمه السابقه بأن يتركوا الميدان , و طالب شباب الثوره الشرفاء كل ادعياء القيادة و الزعامه بأن ينزلوا من فوق اعناقهم , و توحد هؤلاء الشباب تحت راية الوطن , فسيعود الامل , و تشرق شمس هذا الوطن من جديد. 

نحن نحتاج ان نتوقف قليلا , ان نصمت , اكثر من احتياجنا لأن نستمع لبعضنا البعض , نحتاج ان ننقذ الاجيال القادمه , لا نجعلهم يشربون السموم و يستمعون الى الخرافات , قد يكون الامل فيهم ... 

نحتاج ان نتولى زمام امورنا لا ننتظر ان يوليها لنا احد , زمام ديننا , وطننا , عملنا , بيوتنا , كفانا عبثا و خطبا و وجوها كاذبه .. 

انه حلم و لكنه ليس محال , فالوطن باق رغم انف الجميع , و انا على يقين انه سيشهد هذا الحلم و قد اصبح واقعا , ليس علينا الا الصبر و الدعاء. 


د.حاتم حلمى عزام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق